في ذكراه

استذكار الجواهري …
استذكار للشعر والوطن والمواقف

في صبيحة يوم الأحد 1997/7/27 استنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية، وغيرها من وسائل وطرائق اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف من الناس :
“الموت يغيب الجواهري الكبير في احدى مشافي العاصمة السورية دمشق عن عمر يناهز المئة عام”.
وإذ يطبق “الموت اللئيم” على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين وأهله، ضجت الأصوات والمنابر العربية المتنورة، والعراقية منها على وجه الخصوص بالأحاديث والكتابات والرؤى، عن عظمة ومجد الراحل العظيم :
– المتميز بعبقريته التي يخشى أن يجادل حولها أحد.
– والشاعر الذي “لم يصلِّ لغير الشعر من وثن ِ”، فبات الشعراء يقيسون قاماتهم عليه.
– ذلك السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب… بل كان حزباً كاملاً بذاته، يخوض المعارك شعراً ومواقف رائدة.
– والرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة بل ووسطها، فهو “العراق لساناً ودماً وكياناً” و”ابن الفراتين”، وثالثهما.
– وهو الثوري الذي “يطأ الطغاة بشسع نعلِ عازبا”، صاحب “يوم الشهيد” و”آمنت بالحسين” و”قلبي لكردستان” و”الغضب الخلاق” و”الفداء والدم”.
– والمتمرد الذي ظل طوال حياته باحثاً عن “وشك معترك أو قرب مشتجر”، كيّ “يطعم النيران باللهب”!.
– المبدع في فرائد “زوربا” و”المعري” و”سجا البحر” و”أفروديت” و”أنيتا” و”لغة الثياب” و”أيها الأرق” وأخواتها.
– وحامل القلم الجريء والمتحدي والذي “لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر”…
ناشر “الرأي العام” و”الجهاد” و”الثبات” … ورفيقاتهن الأخريات
– المكافح من أجل الارتقاء على مدى عقود حياته المديدة، مؤمناً بأن :
“لثـورةِ الفكرِ تاريخٌ يُحـدثنا بأن ألفَ مسـيحٍ دونها صُـلبا”.
– والانسان الذي أحب الناس كل الناس، من أشرق كالشمس ومن أظلم كالماس”.
– الرائد في حب وتقديس من “زُنَّ الحياة” فراح يصوغ الشعر “قلائداً لعقودهنَّ”…
و”يقتبس من وليدهن نغم القصيد”.
– الوادع الحليم “الكاشف حر الضمير”… والمنتفض كالنمر حين يستثيره “ميتون على ما استفرغوا جمدوا”.
– و”الفتى الممراح فراج الكروب”، الذي “لم يخل من البهجة دارا”.
انه باختصار ذلك الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته “يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا”.
فهل راحت قصائده – فعلاً – “ملىء فم الزمان”؟!! …
وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيده “سيبقى ويفنى نيزك وشهاب” ؟…
وهل حقاً “ان للعبقري الفذّ واحدة، إما الخلود وإما المال والنشبا” ؟!…

                                                              مركز الجواهري / براغ

وعي على ذكرياتي

فلاح الجواهري

اللقطة الاولى : 
ظلام متسع الابعاد لايقطعه الا بقع ضوء من كاشف السيارة تمتصه رمال البادية الرمادية الكابية فلا يترك اثرا، واهتزازات حاشية النافذة المعدنية التي يتكيء عليها راسي فوق وسادة يدي، و لمعان نجوم مهتزة عميقة الابعاد، وحزن ووحشة أعمق. هذه آلالة المزمجرة الرجراجة المتجهة الى المجهول تبدو في الصورة خاوية عما سواي وشيء ما هناك فوق سطحها لا اعرف شكله او مغزاه يثير الحيرة ويخز بالألم، اتذكره من حين لحين بين لحظات الظلمة المتسعة وبقع الرمال الرمادية الكابية والنجم المهتز وزمجرة الالة الحديدية الخاوية. تلوح من بعيد قبة نيرة لمّاعة..تقترب القبة.. تزداد اقترابا. شوارع مقفرة نصف مظلمة نجتاز بين مسافة فيها واخرى عمود انارة موحش في عزلته . شيء شبحي المعالم يرسم بلا وضوح دكاكين مغلقة..اقواس مداخل اسواق مقفرة شديدة الحلكة.